قال عنها المستشرق الفرنسي وليم مرسيه ” العبارة العربية كالعود ، إذا نقرت على أحد أوتاره رنت لديك جميع الأوتار ، وخفقت، ثم تُحَرَّك اللغة في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر مَوْكبًا من العواطف والصور” ، وقال يوهان فيك الألماني: ” لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر..” ، فيما قال مولود بن زادي: ” إنَّ من معجزات اللغة العربية أنّها حافظت على مقوماتها من حروف وأصوات وقواعد النحو والصرف وغير ذلك عبر العصور، ومع ذلك أثبتت أنّها لغةٌ مرنة منفتحة تستوعب التغيرات وتُجَاري التطور الحضاري..”
ضبابية في التعاطي مع اللغة العربية بالمشهد الوطني
و يحتفل الناطقون بالضاد باليوم العالمي للغة العربية في الوقت الذي يتميز فيه الواقع الجزائري بتذبذب فضيع للغة العربية أمام الفرنسية التي اجتاحت أكثر من ميدان في مقدمتها الأجهزة الإدارية و الإقتصادية و التعليم العالي برغم سن بعض القرارات الغير مفعلة ، فالكثير من المواقف تبرهن على وجود مشكلة كبيرة في التعاطي مع المسألة ، برغم اصدار المجلس الشعبي الوطني قانون تعميم استعمال اللغة العربية يوم 27 ديسمبر 1990 ، ومن هنا يطرح التعريب بصيغ ملتوية ، فهو حقل الصراع المغلق بين أصحاب القرار برغم أنه يعد الوجه المكمل للاستقلال السياسي والاقتصادي.

زحف العامية في التعاطي اليومي
زحف و الحديث عن الواقع اللغوي في الجزائر يصطدم بمشكلة كبيرة تتمثل في اهمال الفصحى وزحف العامية التي أخذت تتسلل الى المؤسسات التعليمية و الإعلامية و الثقافية إضافة الى الفرنسية التي تعمل على منافستها في مجال التعليم ” العلمي و التقني ” وفي بعض المعاملات الإدارية وفي الإستعمال اليومي من طرف بعض الفئات المثقفة . كما اقتصر قرار التعريب بالمنظومة التربوية على التخصصات المتعلقة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، بينما ظلت العلوم التقنية والتكنولوجية والطبية تدرس باللغة الفرنسية ..
لغة هجينة تدخل على التماس
كما أن اللغة الإعلامية ، قائمة أساسا على ما يمكن أن نسميه باللغة التي يستخدمها الشباب ، ومع فتح الفضاء السمعي البصري وظهور القنوات الخاصة الجزائرية منذ 2012، زاد الأمر حدة ، حيث لم يعد الحديث بهذه اللغة الهجينة فقط في البرامج الترفيهية أو الشعبية بل أصبح يمتد إلى جميع البرامج بما فيها الإخبارية والحوارية ، كما تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي، بمثابة مذبحة حقيقية للغة العربية..

مقاومة شرسة من طرف جيل معرّب
ومع هذا لا يمكن نكران النتائج التي بُذلت في سياق التّعريب في الجزائر، إذْ خرّجت المدرسة الجزائرية أجيالا معربة ، أصبحوا الآن في مواقع المسؤولية وفرضوا اللغة العربية في التعامل الرسمي، لكن مقاومة هذا التّحول تبدو قوية ، وأحيانا تكون شرسة من الإطارات التي تعلمت باللّغة الفرنسية..
هيئات منظمة و مساع لإيجاد خارطة طريق لترقية لغة الضاد
ويبذل المجلس الأعلى للغة العربية جهودا كبيرة من أجل ترقية اللغة العربية ، حيث دعا رئيس المجلس الأعلى للغة العربية ، صالح بلعيد، الى بذل الجهود من أجل نقلة نوعية للعربية كي يكون لها موقع لابأس به في العلوم و التكنلوجيا و إستغلال وسائل الترجمة لنقل العلوم و المعارف التي تفتقر إليها حاليا ، وأشار إلى أنه يتعين “ايجاد الحلول للعوائق التي تحد من الاستخدام الأمثل لهذه اللغة وتطويرها وظيفيا بما يخدم الجوانب التقنية مع الحفاظ على هويتنا الثقافية ، و يشتغل المجلس الأعلى للغة العربية الآن على 12 مشروعا هاما أبرزها اصدار المعجم التاريخي للغة العربية..
وتتعدد صور تفعيل اللغة العربية من خلال المهرجانات والندوات والأفكار لنشر اللغة والتعريف بها ..حيث حملت مختلف المعاهد ومخابر البحث العلمي على عاتقها تنظيم جملة من الملتقيات حول واقع ورهانات اللغة العربية في الجزائر، والتي يؤكد من خلالها الدارسون أن اللغة العربية الفصيحة تحظى بأهمية وأولوية في المدرسة الجزائرية، نظرا للحجم الساعي المخصص لها من الابتدائي إلى الثانوي، ومشكلتها تكمن في الاستعمال الاجتماعي لها وعدم التعامل بها على مستوى المؤسسات الرسمية..
جمالية وسحر اللغة العربية
لنرجع الى جمالية لغة الضاد التي تحمل لينًا ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقًا لمقتضيات العصر، لذلك فإنَّها لغة تصلح لكلِّ زمان ومكان ، تمتاز بخصائص ومزايا نادرًا ماتجتمع في غيرها من اللغات، فلغة الضاد هي لغة الصوت والصورة ، والمفردات والتراكيب ، والحكم والأمثال، ويكفيها شرفًا أنها اللغة التي اختارها الرحمن لتكون لغة القرآن الكريم والرسول المبشّر للعالمين ، كما أنها تتيح الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره ، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات، و أبدعت بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية ، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية ، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة تضم على سبيل المثال لا الحصر الهندسة والشعر والفلسفة والغناء..
ترسيم اللغة العربية في منظمة الأمم المتحدة
و فى مثل هذا اليوم منذ 47 عاماً ، اتخذت الأمم المتحدة قرارها التاريخى بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة فى المنظمة ، إستجابة لإقتراح تقدّمت به مملكتا المغرب والسعودية، أثناء انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) عام 1973 ..، باعتبارها من أهم أركان التنوع الثقافى للبشرية و من أعظم اللغات في العالم ، ويصادف اليوم العالمي للغة العربية يوم الثامن عشر من ديسمبر من كلِّ عام ، لتكون العربية ضمن لغات توثيق المحاضر الرسمية ، وأوراق العمل ، أثناء الاجتماعات ، والمعتمدة في الترجمة الحية المباشرة في المؤتمرات تحدثاً وكتابة ، وتعدّ من أكثر اللغات انتشاراً في العالم ، حيث يتكلمها أكثر من مليار نسمة على وجه الأرض