ثلاثية الثقافة والبيئة والإنسان في رابع صالون فنون تشكيلية وطني بورقلة
الحديث عن حالة من الانتعاش تشهدها الحركة التشكيلية في الجزائر لا يبدو سابقا لأوانه، فهذا النوع من الفنون ومن خلال ما عرض في الصالون الوطني الرابع للفنون التشكيلية بدار الثقافة مفدي زكرياء بولاية ورقلة يعد تأكيدا على قيم الحداثة والمعاصرة.
يروي الفنان التشكيلي لعايش كابرين أحد المشاركين من ولاية بسكرة ثلاثية الثقافة والبيئة والإنسان من خلال أعماله، فلوحاته وتحفه الفنية تعد استنباطا للحس البيئي والثقافي في شكله الإبداعي الخلاق.
وتستعرض لوحات هذا الفنان وتحفه الفنية أهمية الاستفادة من الخردوات والقطع المعدنية المهملة التي تشكل عادة خطرا على البيئة في صنع وابتكار قطع فنية غاية في الروعة.
ويختلف هذا النوع من فنون النحت عن غيره فهو لا يعني النحت على القطع الخشبية أو الحجر أو الرخام، وإنما هو فن يهتم بتحويل قطع من الخردوات المعدنية إلى تحف فنية قيمة يسمى فن النحت على المعدن أو تركيب المعادن تحديدا.
وبالإضافة إلى القطع المعدنية المهملة يستخدم الفنان قطعا عديدة كالقطع البلاستيكية، الخيشة، الخيط، وحتى لماع الأحذية، وماء القطران بدل الألوان في شكل مجسم يوحي بروح القطعة الفنية وقوتها الرمزية.
فاللوحة المجسدة لباب قديم مكسور مصنوع من الخيشة يسرد أسرار ومكنونات المدن القديمة التي لم تروى بعد والتي ظلت حبيسة الأبواب، وفي الوقت ذاته يتوضح ثباتها وصمودها من خلال الحلقة التي تميز أبواب البيوت القديمة وتهدف هذه اللوحة حسب صاحبها إلى الدعوة لاستكشاف ما تدسه وتتفانى في التستر عليه من خبايا وحكايات أبواب هذه المدن التي هجرت أو اضطر ساكنتها إلى هجرها.
أما في لوحته الثانية فيحاكي ثقافة قديمة توحدت مع مجتمعنا وأضحت جزءا لا يتجزأ من عاداته ومعتقداته الراسخة في وقت ما، والمتمثلة في الخوف من العين والحسد، وتعبر هذه اللوحة عن طقوس قديمة كالعجلات أو العيون التي كانت ترسم وتوضع على واجهات ومداخل البيوت خاصة فيما مضى، بالإضافة للمعوذتين وكذا بعض الحروف التمثيلية للطلاسم، المجسدة جميعها في شكل جمالي إبداعي، مع حضور قوي للون الأزرق الذي كان يرجى منه حسب قاموس المعتقد الاجتماعي آنذاك كف أذى العين والحسد.
كل الأشياء غير المستعملة من أواني قديمة وخردوات صالحة للاستغلال في هذا الفن، فهو فن يقدر قيمة كل ما هو مهمل حتى ما هو موجود في المخلفات المنزلية لا “يدرك أصحابه قيمته الفعلية، جميعها يمكن إخضاعها للرسكلة وإعطائها قيمة “فنية تليق بها كما يقول الفنان “كابرين.
وهذا النوع من تركيب المعادن يعتمد أساسا على قطع خردوات من المعدن ويهدف هذا الطابع من الفنون إلى حماية البيئة من الآثار التي تتركها هذه المعادن المهملة وتوظيفها في عمل فني يعطيها قيمة فنية كما أنها نوع من التعبير الفني الذي يترجم رؤية فنية لا تشبه نظرة الإنسان العادي للأشياء، فالفنان بطبيعته دائما يبحث عن ترجمة فنية لكل ما هو موجود في العالم.
ورغم أن فن تركيب المعادن يبدو أصعب من استخدام المعادن المذابة التي تحتاج إلى ورش للحدادة إلا أنه يوحي بمتعة كبيرة ويمتاز الفنان “لعايش كابرين” في عمله هذا أنه يحافظ على القطع المعدنية كما هي ويستخدم في تركيبها الأسلاك والبراغي وهو مختلف عن التلحيم الذي يمكن من خلاله قص وتفصيل وتصميم القطع بالشكل المراد الوصول إليه، أما تركيب المعادن فتكمن الصعوبة فيه في احتمالية عدم تناسب القطع مع بعضها البعض للخروج بالشكل المخطط له مسبقا، لذلك تأخذ بعضها وقتا أطول في البحث عن المعادن المهملة.
فمثلا تحفة العربة يقول كابرين : “أخذت حوالي أسبوع كامل للانتهاء منها، وقد استغرقت هذه المدة لأنني كنت أبحث عن قطع معدنية يمكن استخدامها للخروج بهذا الشكل”، لذلك يتطلب هذا النوع من الفنون صبرا ومرونة في التعامل مع القطعة المعدنية الصلب.
18 قطعة فنية عرض منها الفنان التشكيلي حوالي 6 قطع معظمها عرضت لأول مرة للجمهور، ومن المشاريع المستقبلية التي ينوي كابرين تجسيدها هو تنظيم معرض خاص لحديقة حيوانات من المعدن.