بكرم وجود أهل كرزاز جنوب غرب الجزائر اسقبلنا السيد عبد القادر قفاف ببستانه الذي أزهر طيبة ظهرت على يده الخضراء التي حولت بستانه الى قطعة من الجنة، نخيلا خضراء بتمورها اليانعة، وأشجارا مثمرة نتاج جهد وعرق يبذل في خدمة أرضه التي ورثها عن والده الذي ما فتئ يعلمه و يلقنه حكمة زراعة الأرض
يواصل عبد القادر، المعلم الفلاح ، حركات وأعمال والده وقبله سلسلة من الاجداد الذين توارثوا الفلاحة الواحاتية بالصحراء

لم تمنع الوظيفة الحكومية هذا الشاب الذي يبلغ من العمر 33 سنة، والحائز على ليسانس تعليم لغة عربية في الطور الابتدائي من التشبث بالأرض المعطاءة حيث يواصل بشغف العمل زراعة وحرثا ، ليحصل على خضر وفواكه
ويقول عبدالقادر إن ما يدر به بستانه يغنيه عما في السوق، كما يقدم له ولعائلته دخلا إضافيا، خاصة في ظل الأزمة التي تعانيها الجزائر والعالم أجمع بفعل جائحة ”كوفيد-19“

كرزاز
يستحوذ جنوب الجزائر على أكثر من نصف مساحة البلاد و يتميز في الجانب الإقتصادي بثرواته الباطنية من بترول و غاز ، حديد ، ذهب و غيرها ، كما يتميز زراعيا بشساعة المساحة الصالحة للزراعة و أبرز ما يميزه في هذا المجال هو القمح و التمور و البطاطا و الطماطم . دائرة كرزاز بولاية بشار عينة من الصحراء الشاسعة ، تبلغ مساحتها 10.520 كم² و تضم إداريا بلديات كرزاز، بني يخلف و تيمودي . و قصد التعرف عن قرب على نشاط المنطقة فلاحيا نزلنا ضيوفا على منطقة “تاورير” القريبة من حي كرزاز قصر و بالضبط بستان السيد” عبد القادر ڨفاف” أحد مواطني بلدية كرزاز الذين ينشطون في المجال الفلاحي .
تعلق بالأرض
ورث عبد القادر نشاط الزراعة عن والده حيث كان يرافقه و يساعده في خدمة الأرض ، بعد وفاة والده حمل المشعل رفقة إخوته رغم انشغالاتهم المتعددة و صعوبة مواصلة عمل الوالد الذي كان حجر أساس العمل و موجههم في العمل ، مع ذلك استطاع عبد القادر مواصلة الكفاح الفلاحي حبا في أرض العائلة إضافة الى حبه لهذا النشاط .

أهم الأشجار و المحاصيل
بابتسامته و صدره الرحب جال بنا المعلم عبد القادر عبر أرجاء بستانه المتنوع ، و نحن كذلك تفاجئنا بالإيجابية الكبيرة التي أبداها الرجل البشوش حول ما يمكن أن تجود به الأرض بكرزاز حيث أكد لنا أن كل ما قام بزراعته ليومنا هذا أثمر بشكل عادي و أعطى نتائجا جد مرضية حتى ما تعلق ببعض الفواكه التي لطالما ترسخ في عقول الكثير من أبناء المنطقة أنها لا تنمو في الصحراء كالموز ، التفاح ، الإجاص و غيرها .
عند وقوفنا على شجرة العنب أفادنا عبد القادر أنها تثمر في المنطقة بشكل عادي و تتفاعل في سقيها على حسب ما برمجها صاحبها ، فإما مرة كل يوم أو مرة كل يومين ، أما شجرة التين فأخبرنا أنها جد مثمرة كما أنها تستعمل غالبا كمصدات للرياح نظرا للطبيعة الصحراوية من رياح و رمال و جفاف . و نحن نتنشى وسط البستان حتى وصلنا شجرة التفاح و التي وجدناها لا تزال في مراحلها الأولى من النمو قال لنا عبد القادر أنها و كما هو معروف تتضرر من الحرارة الزائدة و الشمس الحارقة غير أنها مع اعتدال الجو تعود للإخضرار و العطاء

التمر ..المنتوج رقم واحد بكرزاز
غير أن المنتوج رقم واحد بكرزاز يبقى و بدون منازع هو التمر ، التمور التي تتعدد أنواعها بالمنطقة بدءا من “حرطان” أجود التمور بمنطقة الساورة مناصفة مع ” الشركة” حيث أن هذين الأخيرين يتراوح سعرهما في السوق المحلية بين 250 دج الى 350 دج و قد يصل أحيانا إلى 400 دج ، أما الأنواع الأخرى فهي ذات جودة أقل و سعرها في متناول الجميع من 100دج إلى 200دج و من أمثلتها “حميرة” ، “تناصر” ، “تندوكان” ، “باسطا” ، “فقوس” ، “تيلمسو” ، “تقربوش” و أخرى . تجدر الإشارة أيضا إلى نوع من التمور أقل ظهورا بالمنطقة حيث ينتج بقلة و هو “دڨلة أجدير” و التي غالبا لا ينجح إنتاجها حسب عبد القادر إلا في مناطق تمنراست و برج باجي مختار إضافة لكرزاز .
تسويق التمور بكرزاز
لا تحتوي دائرة كرزاز على سوق يومية أو أسبوعية و هذا ما جعل تجارة التمور تعرف تأخرا كبيرا حيث يكتفي أصحاب البساتين بنقل إنتاجهم على دفعات قليلة إلى وسط المدينة و عرضه على الأرصفة أو يبيعونه حسب طلبات الأشخاص الذين هم على دراية بنشاطهم الفلاحي ، رغم النداءات المتكررة من الفلاحين للبلدية بتخصيص سوق أسبوعي في منطقة نشاط حتى يتسنى لهم عرض منتوجاتهم من التمور و حتى الخضر .
أما عن عبد القادر، فعند سؤالنا له عن كيفية تسويق منتجاته أوضح لنا أنه و في ظل غياب سوق منظم ارتأى البيع على الفيسبوك عبر صفحة خاصة به ، إضافة إلى طلبات مواطنين الدائرة الذين لهم معرفة سابقة بنشاطه ، غير أنه تحسّر كثيرا عن حال تجارة التمور بكرزاز التي أكد لنا أنها تحتوي على عدد جد كبير من النخيل المثمرة التي باستطاعتها تغطية عديد الولايات لو أن هناك مصانع لحفظ منتوجهم أو تحويله أو حتى وجود وكلاء توزيع أو تجار جملة خواص يشترون من عندهم و هذا لأنهم ليست لديهم القدرة لنقل إنتاجهم لولايات أخرى .

ماذا عن الأسمدة الكيميائية ؟
حين تجوالنا لفي مزرعة الأستاذ عبد القادر لم نجد أثرا لأي شيء كيميائي و هذا ما اضطرنا لسؤاله عن الأمر فرد مؤكدا أن جل فلاحو كرزاز لا يستخدمون الأسمدة الكيميائية إلا في بعض المحاصيل القليلة التي تستوجب ذلك ، حيث يعتمدون بشكل شبه كامل على الطرق التقليدية في معالجة التربة و هي فضلات المواشي أكرمكم الله ، كما أن البذور هي الأخرى طبيعية و خالية من أي مزج كيمياوي .
عبد القادر بين مهنة التعليم وخدمة الأرض
نظرا لأن حوارنا مع السيد عبد القادر كان في فترة عطلة وجدنا أن الأخير يتردد على البستان في الفترة الصباحية و المسائية ، غير أن الأخير أعلمنا أنه في فترة العمل بالتعليم فإنه لا يجد سوى الفترة المسائية بعد العصر لتفقد بستانه كما أن أخيه يساعده في ذلك حيث يغطي فترة غيابه من حين لآخر .
ختم عبد القادر حديثه معنا برسالة جد مؤثرة للسلطات قصد إعانتهم في ربطهم بالكهرباء و حفر الآبلر و كذا حث الشباب للصبر و الإرادة في خدمة الأرض و الإتقان في العمل و أن لا يفشلوا بمجرد مواجهتهم للعقبات أيا كانت درجتها لأن الحياة كما يقول الأستاذ عبد القادر لا تعطي لضعاف الهمم