أصدرت وزارة الثقافة تعليمات بمنع هدم الصومعة وإدماج هذا المبنى دون تشويهه في تهيئة الفضاء العمراني للمدينة ، ليبقى معلما ثقافيا وسياحيا يرمز إلى إحدى المقوّمات المعمارية والعمرانية والجمالية لمدينة الوادي، وهذا بعد جدل دام اسبوعا كاملا و مباشرة البلدية عملية الهدم فعليا الاسبوع الفارط
الوزارة تقرر الحفاظ على الصومعة
وجاء تدخل الوزارة بوقف هدم هذه الصومعة الأثرية الواقعة في قلب مدينة الوادي يومين بعد أن طالت جرافة البلدية القبة الملتصقة بالصومعة وهي العملية التي جاءت تمهيدا لاسقاط الصومعة بدعوى تأثره بعوامل الزمن وتشكيله خطرا على المارة ليتم بذلك تغيير واجهة أثرية معروفة ايذانا بتغيير جذري لصالح مقر البلدية الجديد
وكلفت وزيرة الثقافة، مليكة بن دودة، مديرية حفظ وترميم التراث بوزارة الثقافة والفنون ومديرية الثقافة والفنون بولاية الوادي بمتابعة القضية إذ تبيّن أن البناية يعود إنشاؤها إلى أربعينيات القرن الماضي، كما تعبّر من حيث موقعها وشكلها ومواد بنائها ولونها وعناصرها العمرانية عن الطراز المعماري المتميّز لوادي سوف، بالإضافة إلى أنها جزء من رموز المدينة وجب الحفاظ عليه وتثمينه وإدماجه في المسارات الثقافية والسياحية للمدينة
وعلى هذا الاساس كلف مدير الثقافة المحلي، ليس فقط بالتراجع عن موافقته السابقة التي أعطت الضوء الاخضر للبلدية لتنفيذ قرار الهدم، معتبرة أن صومعة البلدية غير مصنفة كتراث أو كمعلم .في منطقة تعتبر قطاعا أثريا محفوظا حسب الوزارة الوصية، وإنما تحرير مراسلة ادارية جديدة تصوب الوضع وتأمر البلدية بايقاف نهائي لعملية الهدم “

وجاء في بيان وزارة الثقافة الذي نشر على حسابها الرسمي على فيسبوك، أنه “حرصا منها على تثمين كل ما هو تراث ثقافى جزائري والحفاظ عليه، أسدت السيدة الوزيرة، تعليمات بضرورة توقيف عملية الهدم وإدماج هذا المبنى دون تشويهه في تهيئة الفضاء العمراني للمدينة، ليبقى معلما ثقافيا وسياحيا يرمز إلى إحدى المقوّمات المعمارية والعمرانية والجمالية لمدينة الألف قبة وقبة، وهو ما تم فعلا
.كما ذكّرت وزارة الثقافة والفنون بالمناسبة، الجمعيات والشخصيات المهتمة بالتراث، بأن المجال مفتوح من أجل المساهمة في استكمال عملية الجرد العام للتراث الثقافي غير المصنّف لولاية وادي سوف، وهذا في إطار المشروع الوطني للخريطة الأثرية التي تشرف عليه وزارة الثقافة والفنون

المجنمع المدني بالمرصاد
وأعلنت الجمعية الوطنية السياحية كنوز الجزائر -المكتب الولائي بالوادي- عن كامل أسفها عما تم تداوله من نية المجلس الشعبي البلدي بالوادي اتخاذ قرار هدم صومعة البلدية إحدى المعالم التراثية التاريخية بالمنطقة، رغم أن الدور المنوط به في قانون البلدية هو الحفاظ على التراث الثقافي للمدينة.
وجاء في بيان لها عشية تهديم هذا المعلم التراثي السوفي أن عدم ترميمه وجعله شاهدا على عبقرية الأجداد في مجال الهندسة المعمارية والاعتماد على المواد المحلية في عملية البناء، يعتبر تخليا من المجلس البلدي للوادي على تاريخ وكفاح الأجداد وإهمال تراث معماري لا يمكن تعويضه.
كما اعلنت الجمعية رفضها الكامل لأي محاولة للمساس بصومعة البلدية وأنها ستستنفذ كافة الحلول القانونية والشرعية لأجل منع هذا القرار المجحف والغير المسؤول إتجاه الطابع التقليدي للمنطقة، خصوصا وأن هناك حلولا جادة تم اقتراحها للحفاظ على الصومعة وفي نفس الوقت على الشكل الخارجي لمقر البلدية الجديد
ونشر رئيس فرع “الجمعية الوطنية السياحية كنوز الجزائر” في وادي سوف، عبد الحميد براهيمي، مقالاً في صفحة الجمعية على فيسبوك، ذكر فيه أنَّ المبنى، الذي يعود تاريخ تدشينه الى 1943، معلم تاريخي يشهد على الفنّ المعماري المغاربي الأندلسي خلال الفترة الاستعمارية، بني بمواد بناء محلية تكاد تختفي اليوم، وأنه جزءٌ من محطّة القطار الذي كان يصل حتى مدينة الوادي

استنساخ الارث العمراني
“كما بين ابراهيمي في معرض حديثه عن المععلم أنه بدل الحفاظ على هذا الإرث التاريخي والحضاري واستنساخه في كلّ بقاع مدينة وادي سوف، أصدر والي الولاية منذ مدّة استفتاءً شعبياً بغرض استشارة الناس، لا أهل الاختصاص والناشطين في مجال السياحة والتراث، في مسألة هدم الصومعة من عدمه، ثمّ أبدى المجلس البلدي الحالي لبلدية الوادي مع رئيسه الجديد بالنيابة نية هدم هذه الصومعة والقبّة الملتصقة بها، بحُجّة أنها تحجب واجهة المقرّ الجديد للبلدية الخالي من أيّ جمالية وليست فيه أيّة عناصر رمزية تُحيل إلى تاريخ المدينة”
واستطرد الكاتب أن مدينة الوادي هي الوحيدة ربما في العالم التي تحتوي على صوامع ليست كالتي نراها عادة في دور العبادة كالمساجد والكنائس أو كأبراج في الحصون والقلاع، كصومعة (البلدية) و صومعة فندق ترنزتلونتيك (الولاية القديمة) و صومعة دار الضياف (مقابل دار الثقافة وسط المدينة) وصومعة البيرو (بالقرب من دار الوالي) وصومعة أولاد أحمد (مدخل السوق).إن ثقافة هدم المعالم التراثية والوجه القديم للمدينة، التي ترسخت في ذهن المسؤول المحلي هي عملية طمس الهوية الثقافية للمدينة وبتر و إستئصال كل ماله علاقة بالإرث التاريخي للإنسان وكل ما له علاقة بالعادات و التقاليد، وهنا بفعلهم هذا يجعلون من الإنسان عبارة عن آله جوفاء خالية من الروح ومن كل معاني الأصالة.
حوار السيد عبد الحميد براهيمي – رئيس جميعة كنوز الجزائر السياحية مكتب ولاية الوادي
صومعة أندلسية لمحطة قطار الوادي
وكتب بن علي محمد الصالح، وهو باحث في التراث المحلي بأن الصومعة الواقعة بمدخل بلدية الوادي، والتي يعود تاريخها إلى أربعينيات القرن الماضي، حين قرّر الحاكم العام للجزائر بتاريخ الرّابع من شهر فيفري سنة 1946 ربط مدينة الوادي بمحطة اسطيل للقطار، وبدأت الأشغال سريعة في يوم الفاتح من أفريل سنة 1946 وانتهت في شهر أكتوبر سنة 1946، وتمّ ذلك بسواعد أهل المنطقة، وفق عملية استغلالية “السُّخرة والحلاس”، فكانت الصّومعة آخر نقطة يصلها القطار القادم من الشمال، والذي توقّف عن المجيء نهائيًا في شهر ماي سنة 1958

وأضاف الباحث مستطردا، إذا كانت الحجّة في إزالتها أنّها بناية من العهد الفرنسي، فعلينا أن نعود ونهدم مدينة تيمقاد وجميلة (كويكول) مثلا، لأنّهما من بناء الرّومان في الجزائر.والصّومعة ليست فرنسية، لأنّ:- حجر التّافزة من هبّة والفولية، وتمّ حرقها في أفران “كوشة” صحن الـﭭـارة الغربية.- اللّوس الذي بنيت به من جرّ ﭬـمار وحاسي خليفة.- طابعها المعماري نسخة طبق الأصل من المئذنة المغاربية القيروانية.- لِـمْعَلَّمْ الذي بناها من وادي سوف، والعوّانة سوافة.- المهندس الذي صمّمها هو “ريمون فريزي” وقد استمدّ كل عناصرها المعمارية من الهندسة المعمارية السّوفية التّقليدي