أثارت زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون للمسجد الأعظم بالجزائر العاصمة جدلا كبيرا حول هذا المشروع الضخم الذي أطلقه الرئيس الاسبق عبدالعزيز بوتفليقة
حيث عادت بالمناسبة الى الواجهة، كل التساؤلات المتعلقة بتكلفة وأهداف ودلالات وتداعيات تشييد هذا الصرح الديني الجبار الذي أعلن الرئيس تبون عن افتتاحه الرسمي أول نوفمير المقبل تزامنا وعيد الثورة المجيد

دلالات قوية

وكان اختيار ال 20 من اوت بالذات للزيارة التفقدية للمسجد الاكبر حاملا لمؤشرات ودلالات قوية بالنظر لاختيار المكان والتاريخ اللذين تزامنا مع إحياء الذكرى المزدوجة لهجومات الشمال القسنطيني 20 أوت 1955 ومؤتمر الصومام 20 أوت 1956 وحلول السنة الهجرية الجديدة ، فضلا عن الاعلان عن الفاتح من نوفمبر موعدا لتدشينه
حيث يحمل هذا الاختيار من الرئيس تبون رمزية خاصة تربطه بمفجري الثورة التحريرية الكبرى الذي يروى عنهم أنهم اقسموا على تحويل موقع كنيسة الكاردينال لافيجري المربعة، والتي كانت إحدى الكنائس التي تطل على البحر الأبيض المتوسط، الى منارة إشعاع لدين التوحيد لكل العالم بعد استقلال الجزائرحيث بدأ المسعى بإعادة تسمية المكان منذ ذلك الوقت باسم المحمدية إيذانا ببقاء وعد الشهداء في الاذهان

كما أن منارة مسجد الجزائر العظمى مشيدة غير بعيد عن موقع مذبحة قبائل الحراش أوائل الغزو الفرنسي في القرن 19م، والكل من تصميم المهندس يورجين أنجل الالماني
وبعد أن مر المشروع بصدمات عطلت تقدم الأشغال فيه ، واستنفرت بعض الجهات الأجنبية التي أرادت التشويش على المشروع ، أوكلت مهمة استكماله إلى الشريك الصيني، وهي الشركة الوطنية الصينية للمقاولات، عقب سحب المشروع من الشركة الألمانية، حيث بدأ إنشاؤه في ماي 2012، وسيكون لدى افتتاحهبعد شهرين مركزا علميا وسياحيا يتسع لأكثر من 120 ألف مصل ..

صرح ديني وأيقونة حضارية
ويعتبر المسجد الأعظم مشروعاً إسلامياً ضخماً سيضع الجزائر على الخارطة السياحية والعلمية ، لأنه الأكبر في إفريقيا وثالث أكبر مسجد في العالم، بعد الحرمين أي المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة
ويتميز الجامع بهندسة معمارية مغاربية إسلامية وزخرفة فريدة تلخص الموروث الجزائري حسبما أوضحه موساوي عبد المالك، المكلف بالدراسة الزخرفية على مستوى المسجد الأعظم
وكشف ذات المسؤول أن زخرفة جامع الجزائر الأعظم تمثل الحقب التاريخية والسلالات التي حكمت الجزائر منذ الفتح الإسلامي حتى القرن الـ 18 ، استمد تصميمه من التراث المعماري الجزائري على مر العصور، بداية من دولة المرابطين إلى غاية الأتراك ، ثم بصمة من بصمات الجزائر الحديثة ، من أجل أن يكون عنوانا للدولة الجزائرية الحديثة الدينية

متعدد الابعاد
يتربع المسجد الأعظم على مساحة تفوق 25 هكتارا، في حين تنتصب مئذنته في سمائها بطول يفوق 265 مترا، لتكون بذلك أعلى منارة على وجه الأرض
كما يضم أضخم ثريا في العالم لتزيين سقفه، ويطل على خليج الجزائر في ضاحية المحمدية، هذه المواصفات استلزمت ميزانية ضخمة قدرت بحوالي 2 مليار دولار
واضطلع بتصميمه مجمع معماري ألماني، حيث يضم قاعة صلاة رئيسية تتسع لـ120 ألف مصل ، ومكتبة تحتضن ألفي شخص، تحوي حوالي مليون كتاب في مختلف العلوم ، مرفقة بالمكتبة الرقمية الحديثة ، فضلا عن مدرسة لتعليم القرآن الكريم وعلومه ، بمثابة كلية للعلوم الإسلامية ، وقاعات للمحاضرات والمؤتمرات ومراكز ثقافية وإعلامية وحدائق ، بالإضافة إلى حضيرة تتسع لستة آلاف سيارة
قبة الجامع بقطر 40 مترا وعلو 70 مترا محمولة على أعمدة وصل عددها 680 عمودا، كما يحتوي مسجد الجزائر على قاعة وضوء مخصصة للرجال وأخرى للنساء وخزان مياه يسع 16 ألف لتر
أما باحة المسجد فهي امتداد لقاعة الصلاة بمساحة 20 ألف متر مربع بها قاعة للمطالعة وأخرى متعددة الاستخدامات
و تم إنجاز عشر بوابات وثلاثة أنفاق أرضية وثلاث جدران استناد، عدا الحزام الدائري حول المسجد الذي يساعد على وصول المصلين والزوار
غلاف مالي ضخم
وقدّرت الحكومة الجزائرية تكلفة إنجاز منافذ الجامع، إلى جانب الأشغال العمومية الملحقة بها ، بنحو 50 مليون دولار بتقنيات متطورة جعلته مقاوما لأشد الزلازل وأعنفها
هذا واشترطت الحكومة الجزائرية في عهد الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة على الشركات التي تقدمت لمناقصة بناء هذا المشروع أن يكون لديها “موظفون مثبتون” يفوق عددهم ألفي شخصا من مهندسين وفنيين وإداريين نظرا لضخامة المشروع
حيث تقدمت لهذه المناقصة 24 شركة من مختلف أنحاء العالم، منها ثلاث دول عربية هي مصر ولبنان وتونس ، فضلا عن ثلاث شركات جزائرية
وباقي الشركات من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا وإسبانيا وكوريا الشمالية والصين..

إجابة لافيجري
وكشف المحلل السياسي أنس الصبرين أن تهجم فرنسا على تبون يعود إلى تمسك الرجل بإنجاز المشروع عندما كان يشغل وزيرا للسكن في عهد الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة ، في الموقع المحدد ، الذي كانت تطلق عليه فرنسا خلال الاستعمار اسم “شارل لافيجري”، على أنقاض الكنيسة وقد تحول إلى “المحمدية”
وأوضح الصيري نأإن “اختيار المكان لم يكن اعتباطياً. فتاريخ المنطقة يروي وقائع لها ، لها صلة بالحملات الصليبية والتبشيرية كمحطة تنوير مسيحية للقارة الافريقية التي غرستها فرنسا أثناء احتلالها ..
و تم إنشاء أسقفية الجزائر خلال عام 1838 م ، ومع مجيء “لافيجري” سنة 1867م وتعيينه على رأس الأسقفية وجّه اهتمام مؤسسته نحو تنصير الأهالي ، واغتنم فرصة تحول نظام الحكم في الجزائر من عسكري إلى مدني سنة 1871م ، ليعطي لمشروعه الدفعة القوية ، وأنشأ لذلك جماعة تبشيرية معروفة بالآباء البيض

من التبشير الى التوحيد
مشروع لافيجري كان في حقيقة الأمر يستهدف القارة الإفريقية بأكملها، و كتب الباحث والكاتب الجزائري عبد العزيز بوباكير عبر منشور في صفحته بالفايسبوك : ” هنا في هذا المكان بنيّ المسجد الأعظم ، مكان الآباء البيض ، بوابة التبشير في إفريقيا.. لافيجري..”
وتراهن السلطة الجزائرية على جعل المشروع مركز إشعاع حضاري وديني، يكرس خطابها في إرساء قيم الوسطية والاعتدال ومحاربة التطرف، ومقرا مركزيا تجتمع فيها مختلف الهيئات الدينية كالمجلس الإسلامي الأعلى وسلطة الإفتاء ومختلف التظاهرات والملتقيات، بغرض وضع حد للفوضى السائدة المسجد لم يسلم من الجدل حول جدوى إقامته ، خاصة من خلال معارضة إقامته بذريعة التكلفة المالية الباهظة والتي كان يجب توجيهها لإقامة مستشفيات ومنشئات خدماتية تحفظ كرامة الجزائريين