قال الدكتور مايك رايان، المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية بمنظمة الصحة العالمية في المؤتمر الصحفي المنعقد مؤخرا: “الفيروسات لا تعرف حدودا، ولا تهتم بجنسك أو لون بشرتك أو مقدار الأموال التي لديك في البنوك”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها السلطات عن هذا الخطاب. في الواقع، منذ اللحظة التي اجتذب فيها “كوفيد-19” الاهتمام العالمي، كان هذا هو المبدأ التوجيهي الذي التزمت به الصين والعديد من مسؤولي الإدارات المعنية في مجال الصحة العالمية. وعندما بدأ المرض ينتشر خارج الصين، قامت الحكومة الصينية وشعبها بالتبرع بملايين الكمامات الواقية والمعدات الطبية الأخرى وإرسال فرق من الخبراء إلى البلدان التي هي بحاجة للمساعدة، رغم أنها كانت لا تزال تدير الأزمة الصحية المحلية التي تطورت بشدة وسرعة.
ومع أن تعليقات البعض أتت قاسية في المرحلة الأولى من تفشي الوباء، إذ قالت إن الصين سترفض مساعدة دول بعينها مثل الدنمارك والنرويج في مكافحة المرض.
أجرؤ على القول أنه حتى بعد شهرين، لا يزال العديد من الصينيين يتذكرون صورة العلم الصيني التي تتحول النجوم عليها إلى فيروسات في رسم كاريكاتوري نشرته إحدى الصحف الدنماركية، إضافة إلى صحيفة “فيردينس غانغ” النرويجية باعتبارها الأكثر شعبية على الإنترنت في النرويج التي تقول إن الصين تخلق مشاكل للعالم.
تتذكر الصين أنه بعد أن
طالبت السفارة الصينية لدى الدنمارك بالاعتذار عن هذا النوع من السلوك،
علقت رئيسة وزراء الدنمارك ميت فريدريكسن عن هكذا آراء مصنفة إياها ضمن
“حرية التعبير” لتبرير الخطاب والتصرفات العنصرية. نعم، لا تزال الصين
تتذكر أن بعض الفصائل في دول مثل الدنمارك والنرويج، لم تقدم للصين أي
مساعدة تذكر في تلك اللحظة الحرجة، بل سخرت من الصين وأهانتها في ذروة تفشي
الفيروس في الصين.

بالنسبة للبلدان التي لم تتمكن من التخلص من عقلية الحرب الباردة، وأولئك الذين مازالوا يعتقدون أن الاختلافات الأيديولوجية والسياسية يمكنها خلق حواجز تفرق بين البشر، يجب أن يعلموا أن العالم تقدم إلى الأمام منذ فترة طويلة.
الدكتور تيدروس أدهانوم غبريسيس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، قد حذر العالم في فبراير الماضي من أنه يجب على كل دولة أن تقوم بالاستعدادات الخاصة بها لمكافحة الفيروس ووقف تفشيه داخل حدودها. ومع تطور وسائل النقل الحديثة واتجاه عولمة الثقافة والتجارة التي يشهدها العالم اليوم، كلها عوامل تجعل تفشي الفيروسات مثل “كوفيد-19” على مستوى العالم أمر لا مفر منه.
إن التمييز الذي أظهره أفراد وسياسيون في دول مثل الدنمارك والنرويج سابقا يضر بهم في ظل التطورات الأخيرة. فمنذ أن بدأ انتشار “كوفيد-19” في الولايات المتحدة، لوحظ تزايد المشاعر المعادية للصين لدى كبار المسؤولين الحكوميين. فتارة يسمون المرض “بالفيروس الصيني” أو يلومون الصين لتبرير فشلهم في مجابهة الوضع الوبائي.
وتماما كما رفضت الحكومة الدنماركية تحمل المسؤولية، فإن الحكومة الأمريكية لم تعترف بأن هذا النوع من الخطاب عنصري وهجومي. فعندما يستخدم “زعيم بلد الحرية” وكبير دبلوماسييه مواقفهم الرسمية للدفاع عن التمييز العنصري ووصف الصين بأنها المسؤول عن تفشي الفيروس عالميا، فماذا يمكن توقعه من حلفائهم وأتباعهم؟
وكما يقول المثل: تعفن السمكة يبدأ من رأسها، فعندما تقف قادة بعض الحكومات وراء هكذا تصرفات عنصرية فإن هذه الخطابات والسلوكيات سوف تتكاثر.
لا تسعى الصين إلى تحقيق التوافق الإيديولوجي، وأكثر من ذلك، فهي متيقنة أنه لا يوجد بلد يمكنه التصدي وحده للأزمة وحلها.
فإن الدرس الذي استخلصته الصين في عام 2003 عندما تشفي فيروس “السارس” هو أنه لا أحد يمكنه النجاة والتخلص والتصدي لأي أزمة صحية دولية وحده دون مساعدة وتكاتف المجتمع الدولي. وبما أن الصين اليوم أمام حقيقة أن بعضا من مواطنيها العائدين من الخارج حاملين للفيروس، فإن مساعدة الدول الأخرى على احتواء تفشي المرض أصبح أكثر إلحاحا.
تشاطر الصين خبرتها وتقدم المساعدة للدول في أنحاء العالم بفضل امتلاكها لأكبر خبرة في التعامل مع تفشي “كوفيد-19”. أجرى كبير خبراء فريق مكافحة “كوفيد-19″ في الصين، تشونغ نان شان، عدة مؤتمرات عبر الفيديو مع خبراء طبيين وسلطات في أوروبا والولايات المتحدة لتبادل خبراته التي اكتسبها على الجبهة الأمامية لمكافحة لـ”كوفيد-19”. وفي الوقت الذي تكافح فيه اليابان لاحتواء الوباء، شحنت الصين أكثر من 5000 مجموعة من المعدات الواقية و100 ألف كمامة واقية وأرسلتها إليها. عندما طلبت صربيا المساعدة، استجابت الصين من خلال توفير كاشفات الفيروس السريعة وإرسال خبراء طبيين. كما قدمت الصين مليوني كمامة طبية و200 ألف كمامة من نوع “إن” 95 و50 ألف كاشف سريع عن الفيروس للاتحاد الأوروبي.
إن العالم مترابط ولا يمكن فيه لأحد أن يزعم قدرته على النجاة مما يحدث على الجانب الآخر من القارة. ولا يمكن إنكار أن الخطاب والسخرية قد أضرت بالصين وأن هناك تأثيرات باقية في قلوب أفراد الشعب الصيني. ولكن لا يوجد بلد محظوظ بما فيه الكفاية للهروب من مواجهة عدو مشترك، والصين تقف إلى جانب تلك البلدان التي تحتاج إلى المساعدة.
إن الفيروسات لا تفرق بين الأجناس، لذلك فنتشارك نفس المستقبل