يحوز القصر القديم لمدينة كرزاز التي تبعد بحوالي 330 كلم جنوب الولاية بشار و التي تتوسط ولايتي بشار و أدرار على مستوى الطريق الوطني رقم 06على لؤلؤة تاريخية تدعى ” الدار البيضاء” كانت قديما بمثابة مجلس للحكم و تسيير الشؤون العامة للبلاد و هي الآن قبلة لزوار الزاوية و منارة ثقافية لدائرة كرزاز و وادي الساورة .
تأسيسها و تسميتها
يشرف على الدار البيضاء شيخ الزاوية الكرزازية ، و قد تم تشييدها سنة 1027 هجرية من طرف مؤسس زاوية كرزاز الشيخ عبد الرحمن بن امحمد بن احمد بن موسى المدعو “بوفلجة” ، كانت تسمى في أول الأمر “دار الندوة” كونها كانت مقرا لاجتماعات شيوخ الزوايا و مسؤوليها ، ليتحول اسمها بعد مدة إلى ماهو معروف اليوم “الدار البيضاء” و هذا راجع إلى الدور الإجتماعي الذي أصبحت تضطلع به فيما بعد حيث تعمل على الإصلاح بين المتخاصمين عبر أنحاء واد الساورة (بشار ، العبادلة ، أدرار) و إيواء عابري السبيل إضافة إلى إقامة المناسبات الدينية و التقليدية بها إلى يومنا هذا كالمولد النبوي الشريف و “خروج الحضرة” ، في هذه المناسبات تكون المرافق التابعة للدار مشغولة طول الوقت خدمة للزوار ، أول تلك المرافق هو منزل الشيخ سيدي عبد الرحمن بوفلجة و كذا مخزن الدار .

المشيخة
قبل أن يتوفى مؤسس زاوية كرزاز “الشيخ بوفلجة” في أوت 1704م كتب وصية لأبناءه الإثنين فورث أحدهما العلم و الآخر ورثه الزاوية ، و طلب فيها أن يكون التداول على منصب شيخ الزاوية مقصور على أبنائه و حفدته وفق عامل السن بحيث يتولى المشيخة الأكبر سنا بالترتيب حتى و إن كان الفارق يوما أو ساعة ، فعندما يتوفى شيخ للزاوية يتولى الذي يصغره سنا مباشرة دون انتخاب أو اختيار و هو ما يتجسد الى اليوم في وجود “خليفة الشيخ” و “خليفة الخليفة” .
كان مؤسس الزاوية قد وضع نظاما تسري عليه شؤوون الدار البيضاء و لا يزال قائما لحد الساعة لا يخرج عنه أحد و يسمى “الحبوس” ، فيه تصريف لكل الشؤون الإجتماعية لأهل الزاوية .
بالدار البيضاء أماكن محترمة و بالغة التقدير لا يدخلها أيا كان، حيث لا يسمح الا لشيوخ الزوايا و المقاديم وأعيان البلاد بالدخول إليها تبعا لللتقليد المتعارف عليه بالزاوية .
عيون التمر
إمتدادا لدورها الإجتماعي التكافلي نجد على سطح الدار البيضاء فتحات تصور للزائر أنها مقاطع تهوية للمكان ، غير أنها في الحقيقة فتحات خاصة بمخازن للتمر والتي تسمى شعبيا ب “الخابية” ، هذه الأخيرة تستعمل لحفظ التمر و تخزينه ليبقى صحيا للأكل و لا يفسد من العوامل المناخية ، فهذه الفتحات تسمى ب “عيون التمر” أي أنها عيون للتهوية خاصة بهاته المخازن ، يستفيد من هذا التمر كل ساكنة البلاد و ضيوف الدار .

دور الدار البيضاء إبان الإستعمار الفرنسي
الحاج لكبير علاوي، أحد المهتمين بتاريخ الدار البيضاء حدثنا عن المخطوطات المتعلقة بالدار البيضاء وساقنا الأمر إلى فترة الإستعمار الفرنسي، حيث صرح لنا بأنها كانت موجودة داخل الدار في مكتبة مخصصة ، غير أنه و في سنة 1957 أمر القائد الفرنسي بالمنطقة باقتحام “الدار البيضاء” و حرقها بسبب وشاية بضلوع شيخها آنذاك في إيواء و إخفاء المجاهدين أبرزهم المجاهد المعروف بمنطقة توات بأدرار وهو “دينار الطيب” الذي يسمى باسمه سوق معروف بأدرار ، حيث أن كرزاز كانت ممرا رئيسيا للمجاهدين من و إلى بشار و مناطق واد الساورة المجاورة ، تيميون ڨورارة ، أدرار ، خاصة بعد الثورة سنة 1954 فكانت الزاوية تعمل على حمايتهم بضمان الطريق و توفير الغذاء و المركوب من دواب ليشقوا طريقهم في المسالك الصعبة (الواد ، العرق ..) .
ما نجى من تلك المخطوطات هو كتاب الله القرآن الكريم ، حيث كان بالزاوية تقليد بوضع المصحف الكريم الخاص بالدار البيضاء تحت وسادة كل طفل يمرض فيشفى باذن الله و ببركة العبد الضعيف الشيخ سيدي عبد الرحمن بوفلجة ، فيتنقل الكتاب بذلك من منزل لآخر ، فيوم اقتحام قوات المستعنمر الفرنسي لمقر الدار البيضاء قصد حرقها كان الكتاب في أحد المنازل بسبب مرض أحد الرضع فحفظ الله كتابه المنزل و هو خير الحافظين، في حادثة مليئة بحكمة الله في حفظ القرآن الكريم .