الحساء.. إليكم أشهر طبق رمضاني في عين صالح
لن نحدثكم عما تشترك فيه جل الموائد الرمضانية الجزائرية من مملحات و محاشي و سلطات، بل نكشف لكم اليوم عن مكونات “الحساء”، و ينطق “لحسى” باللهجة المحلية، و هو أشهر طبق رمضاني بعين صالح.
الحساء، طبق الفقراء و الاغنياء على حد سواء، أكثر من شربة، إنه غذاء كامل و غني يحمل عذوبة و نكهة القمح المحلي الغض المسقي بمياه الفقارة و المشوي بحد الحصاد، و ذوق اللحم القديد المجفف على طريقة اهل المنطقة، قليل من الملح و بعض البهارات المنكهة، و عطر أوراق الثوم الخضراء الربيعية.

الحساء طبق دون كل الأطباق، يمكن أن يكتفي به الصائم، و لذا فهو بدون شك سيد المائدة بلا منازع و أحسن ما يمكنك تناوله في اي بيت من بيوت التيديكلت و توات وقورارة.
تحدثنا خالتي مبيريكة عن مراحل تحضير هذا الطبق، الذي يبدأ اولا باختيار أجود أنواع القمح المحلي والمعروف ب “زنبو”، حيث يتم طحن القمح بطريقة تقليدية بواسطة الرحى الحجرية، و هذا أمر اساسي يتحكم في قوام الحساء فلا يطحن كالسميد و لا هو يشبه الدقيق بل عوان بينهما، إذ يحافظ على كل مكونات حبة القمح و فوائده الغذائية و سهولة هضمها بدشدشة الالياف دون طحنها تماما” تقول خالتي مبيريكة. وتضاف اليه بعض المواد الاساسية كاللحم المجفف والثوم و قليل من الطماطم وبعض التوابل، حيث لا تخلو المائدة ، الرمضانية منه طوال الشهر الكريم، حسب محدثتنا.

و بالمناسبة، الحساء يشبه طبق الحريرة المشهور في الغرب الجزائري من حيث نعومته و خلوه من العناصر الخشنة، إلا أن ذوقه و قوامه مختلف لعدم استعمال الخضروات. ففي الحساء، يكون البطل هو “زنبو” بلا منازع، و لا يغلب عليه أي مذاق، ساخن في الشتاء و دافئ في الصيف.
البداية من هنا
يعتبر زنبو ( طحين القمح المحلي) المادة الاساسية في إعداد طبق الحساء، فأول عملية يقوم بها فلاحو المنطقة هو عملية زرع القمح المحلي المتوارث أبا عن جد في المنطقة، و الذي لم تدخل عليه انواح القمح اللين المستوردة. إنه “زنبو” الذي يزرع مع بداية فصل الشتاء، لأن برودة الجو تساعد على نمو المحصول بقوة ويعطي انتاجا وفيرا.
وبعد نضوج القمح من خلال إفرار السنابل تقوم النساء بعملية الحصاد بطريقة جماعية بترديد الأغاني المحلية، و هي في أغلبها مديح للرسول صلى الله عليه و سلم، تعبيرا عن تفاؤلهم بالمسم و حبهم للنبي محمد عليه الصلاة و السلام في عملية احتفالية تؤكد روح التعاون بين النساء. وبعد اكتمال عملية الحصاد يتم تقسيم سنابل القمح الى مجموعات بحجم 50 سنتيمترا للواحدة، وتقوم النساء بعدها بعملية تسمى الشي، بوضع السنابل بالقرب من النار حتى الحصول على لون أسمر فاتح، لتتم بعدها عملية درس القمح، ويفضل ان يكون ذلك في يوم مميز بهواء جيد و بعض الرياح حتى تساهم في عملية فرز حبات القمح من الشوائب النباتية العالقة.

عملية الطحن بالرحى القديمة
بعد الانتهاء من عملية فرز القمح، تقوم ربات البيوت بطحن زنبو، والأغلبية منهن تفضل عملية الطحن التقليدية من خلال استعمال الرحى وهي عبارة عن الة تقليدية تصنع من الحجارة و لا زالت نساء المنطقة يفضلنها في عملية طحن القمح و التوابل، و تتحكمن في حجم و قوام الطحين الذي يجب أن يكون متوسطا وليس كالفرينة المستعملة للخيز أو العصيدة.

الحساء أو سيد المائدة الرمضانية بمنطقة تديكلت
قبل حلول شهر رمضان بأسبوع، تقوم النساء بالانتهاء من عمليات التحضير لطبق الحساء، الذي يعد أولوية بالنظر اقيمته الغذائية و التقليدية. و يتم تجفيف اللحوم، التي تسمى باللغة العربية القديد، حيث يمنح هذا اللحم طعما خاصا للحساء لا يعطيه اللحم الطازج. و يتم أيضا اقتناء التوابل الاساسية وتحضير “رأس الحانوت” و بقية التوابل المحلية الاساسية التي تسوى بالمنازل كالكمونة والكسبر و غيرها. أما عملية طهي الحساء فهي بسيطة جدا إذا ما حضرت المكونات. حيث لا يقلى الطبق كأنواع الشربة الاخرى، بل يتم وضع القدر على النار مع وضع نصف لتر من الماء أولا، وإضافة الخضر من ثوم وطماطم مطحونة لحم مجفف. و بعد أن يبدأ الماء في الغليان، يحضر صحن ثان، توضع فيه ست ملاعق من طحين زنبو تحل في كاس ماء فاتر، ثم يبدا في تحريكها حتى تصير على شكل معجون، لتوضع بعد ذلك في القدر. و ينم طبخ الحساء على نار هادئة لمدة 15 دقيقة، وبعدها يقدم في طبق كبير أو في أطباق منفردة بحجم عدد افراد الاسرة.
