الاعتداءات على الأسرة التربوية ظاهرة خطيرة في مجتمعنا بدأت في التزايد والانتشار ولا بد من حل و معالجة لهذه المشكلة، والاّ سيزداد الوضع ويتفاقم، لينتج عنه مضاعفات خطيرة في كل الاتجاهات.
ظاهرة الاعتداء على الطواقم التربوية مسلسل يتكرر كل يوم في أغلب مدارسنا وأصبح الموضوع خطيرا جدا ولا يمكن السكوت عنه أو تأجيله
موقع جنوب.كم قام بالتحقيق في الظاهرة واقترب من عديد الشركاء طارحا الاسئلة التالية : هل هناك أسباب لهذه الاعتداءات ؟ وهل يمكن معالجتها ؟ وما هي أوجه الاعتداءات على الكوادر التربوية ؟ وهل للظاهرة من تأثير وتداعيات ومضاعفات في حال لم تعالج سريعا؟ .
هل يكفي مجرد هاشتاغ ؟
مشرفة تربوية من ولاية البليدة ، يتم الإعتداء عليها بطريقة مهينة من طرف تلاميذ لا تتجاوز أعمارهم ال 14 سنة يدرسون في نفس المتوسطة التي تشتغل فيها إحتفالا بنهاية فترة الإمتحانات. الحادثة كان لها ردود أفعال كبيرة من طرف الرأي العام الوطني وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث رفع العديد من النشطاء تغريدات وهاشتاغ ” يترباو قاع ” تضامنا مع الضحية، في اشارة الى المطالبة بإعادة التربية لكل أطراف المجتمع الذي يتصرف بسلبية

وقبل حوالي شهرين، تم الاعتداء على مدير متوسطة ابن باديس بتقرت على يد مجهول. المديرتعرض للضرب المبرح ما سبب له تشققا على مستوى الصدر واصابة بالركبة و الظهر.
دقت حينها فعاليات المجتمع المدني، من جمعويين ونشطاء وأساتذة وأئمة بتقرت، ناقوس الخطر بعد تصاعد موجة العنف في حق هذه الفئة التي لها قدسية منذ الأزل. وبعد سماع خبر الإعتداء تنقل العديد منهم فورا الى مصلحة الإستعجالات للإطمئنان على صحة المدير الذي نقل الى المستشفى على جناح السرعة
ما بعد الاستنكار
في المقابل، فتحت مصالح الأمن تحقيقا لتحديد هوية المعتدي وخلفيات الإعتداء الذي خلّف موجة غضب عارمة وتضامن واسع. وأعرب جميع من استشاطوا غضبا من الحالة المتردية التي وصل إليها فضاء التربية والتعليم في بلادنا، عن استنكارهم الشديد لهذا الاعتداء الشنيع مطالبين بإنزال أشد العقوبات على المعتدي.
تم بعدها تنظيم وقفة احتجاجية من طرف الطاقم التربوي بذات المؤسسة ومسؤولي التربية بالمقاطعة معربين عن تضامنهم مع المدير الضحية ، ولدق ناقوس الخطر ولتحسيس التلاميذ والمحيط بخطورة الوضع الذي آلت إليه الأمور في المجتمع
وشهد بعض الأستاذة بمتوسطة ابن باديس، بأن مجموعة من الأشخاص الغرباء عن المؤسسة اقتحموا جموع التلاميذ وتقدم أحدهم ليدخل المؤسسة بدراجته فتدخل المدير الذي كان يشرف على خروج التلاميذ مستفسرا عن فعله فقلل الأدب حسب ما صرح به المدير، يضيف ذات المتحدثين.
وما كان الا أن اعتدى بالضرب عليه على مستوى الصدر مما أوقع المديرعلى ركبته بعد دفع قوي. و حاول الطاقم الاداري غلق الباب فانهال رفاق المعتدي بالحجارة على المدرسة ومن فيها. ولولا لطف الله لكان عدد الاصابات كبيرا بين التلاميذ أيضا لولا ان هرب المعتدون..

لابد من مصارحة الذات لوضع حلول ناجعة
و أرجع أستاذ اللغة العربية، الشاعر والناشط الجمعوي محمد الأخضر سعداوي، تراجع صورة المدرسة و طاقمها في نظر المجتمع الى عدة عوامل ، أهمها تخلي الأسرة عن لعب دورها. وهذا ما كان له الأثر البليغ على الوضع. وقال سعداوي “يعتقد الآباء أن مهمتهم هي توفيرالمتطلبات المادية للأبناء، في حين تخلى كثير منهم عن دوره في تربية الابن ومتابعة صداقاته وتعليمه وتصرفاته”.
وأشار الاستاذ الى أن الشحن الإعلامي الذي مورس طيلة السنوات الماضية ضد المدرسة لعب دورا كبيرا في ترسيخ صورة سيئة لها. وما تجدر الإشارة إليه أيضا، يضيف ذات المتحدث، هو أن سلوك العنف بات ميزة تنتشر وتتوسع كبقعة النفط يوما بعد يوم، فالمستشفيات والإدارات تعاني العنف اليومي، وهي ظاهرة تحتاج إلى الوقوف عندها ومصارحة الذات لوضع حلول ناجعة تتعاون لتنفيذها كل المؤسسات الأسرة والمسجد والمدرسة والملعب وكافة المصالح المختصة

الأمن ملزم بتأمين وحماية المؤسسات التربوية وطواقمها
من جهته، قال الملازم أول للشرطة خ- ادريس إن مثل هذه الحالات تصنف عنفا اجتماعيا لأن العنف المدرسي يكون بين التلميذ و الأستاذ أو العكس، أو بين التلاميذ. وقد يسمى عنفا مدرسيا من خارج المدرسة. “نحن هنا أمام جريمة عنف جسدي”. وكشف الملازم خ ادريس أن طبيعة المنطقة المحافظة تجعل الناس تبتعد عن المحاكم و تحجم عن التبليغ عن مثل هاته الاعتداءات.
واقترح محدثنا العديد من الحلول، على غرار أن توفر المؤسسة بيئة محفزة للتلاميذ مع وجود أخصائي نفساني أو اجتماعي في المدرسة وهذا ما هو معمول به على مستوى المؤسسات التربوية. بالإضافة الى تكثيف الحملات التوعوية وهذا ما تنتهجه المصالح الأمنية على مستوى دائرة تماسين ، ودعا الى تكثيف الدوريات الأمنية حول المؤسسات التربوية ودعا مديريات التربية توفير أعوان أمن قارين بالمؤسسات التربوية.
أما الجانب الردعي، يضيف ذات المتحدث، فيتجلى في تطبيق القانون من خلال انجاز ملف قضائي للمعنف، ويختلف باختلاف نوع القضية مخالفة أو جنحة أو جناية على حسب نسبة العجز.
واستطرد الملازم أول ” في حالة تصنيف القضية كجنحة، يتم انجاز ملف قضائي للمتهم ليقدم أمام وكيل الجمهورية ويخضع للإجراءات والمثول الفوري”.
فالمصالح الأمنية من ” شرطة ودرك ” ملزمة بتأمين وحماية المؤسسات التربوية وطواقمها من الاعتداءات، وفقا للبروتوكول الموقع من قبل وزارة التربية وهذين الأخيرين. البروتوكول يقضي بوضع عناصرامنية أمام المؤسسات الكبيرة ، خاصة تلك التي تتسجل اعتداءات مع تكثيف الدوريات حول باقي المدارس لخلق جو من الأمن والطمأنينة حول الحرم المدرسي
حماية منظومة الأمن المجتمعي هو الحل الأنجع
ودعت رئيسة المكتب الولائي لحقوق الانسان بتقرت، الأستاذة حنان الروقي، الى تطوير منظومة حقوق الإنسان وحماية منظومة الأمن المجتمعي ، فالظاهرة “حسبها ” تعد نوعا من الإجرام أو الانحراف. المنعرج خطير، وصفته السيدة الروقي، بالمتنافي والفطرة السليمة وروح التعاليم الإلهية ومواثيق حقوق الإنسان باعتبارها مجتمعة تؤكد بوضوح أن الأصل في الحياة وفي معاملة الإنسان مع أخيه الإنسان هو مبدأ العفو والتسامح.
و أضافت ذات المتحدثة، أن العنف استثناء لا يلجأ إليه إلا العاجزون عن التعبير بالوسائل الطبيعية السلمية. وقالت إن الحوار أو الاتصال هو أنجح وأنجع حل بالنسبة لأي مشكل يواجهنا.

الحلول لن تكون وليدة اللحظة
وأكد المختص النفساني ومدرب التنمية البشرية الأستاذ منجي دركي أنه “لابد أن نخرج عن دائرة الفاعل والمفعول به والقراءة الخطية، لنبحث عن قراءة دائرية للموضوع وننشد الأعمق”. وعن الأسباب العميقة التي دفعت للوقوع في هذه الاشكاليات يرصد الخبير سببين هامين غير مباشرين وهما الأسرة و المدرسة. ” فالتلاميذ الذين يمارسون العنف لديهم مشاكل و اضطراب وعنف داخل الأسرة، فيقوم الطفل بنقل هذا السلوك وممارسته خارج مجال الأسرة في أي مكان يمثل رمزا من رموز السلطة”.
السبب الثاني غيرالمباش، “هي المناهج التربوية التي يتلقاها الطفل داخل المدرسة والمفرغة من المحتوى والقيم لتصبح مجرد تعليمات تعطى للتلميذ ليرجعها يوم الامتحان، غائبة عن مفهوم الوطنية والقيم و المبادئ”.
ويؤكد الأستاذ دركي، أنه “بعد سنوات، سنحصل على جيل يتعاطى العنف مثلما يتعاطى التدخين و المخدرات”، مشيرا الى أن الحلول لن تكون وليدة اللحظة، وليس لطرف واحد الحل لا بدخول الطفل السجن ومعاقبته أو اتخاذ اجراءات قانونية بحقه لان الردع، حسبه، حل ترقيعي. ويزعم دركي أن “الحل في تظافر كل الجهود من مختصين نفسانيين وجمعيات وجهات مختصة وسلطات معنية في برنامج متكامل للمساعدة على فهم وتجنب هذه المشاكل بقدر الامكا” .
وفي الأخير يمكن القول إن الأحداث التي تتناقلها الصحافة ، وشبكات التواصل الاجتماعي، والملفات الرائجة في المحاكم ، كافية لكشف الستار عن المنحى التصاعدي الخطير الذي اتّخذته الظاهرة..